محمد ناصر شراء... تكريم الشعر والشاعر
تكريم الأديب والشاعر الكبير محمد ناصر شراء بدرع الوفاء والإبداع من وزير الدولة محافظ العاصمة عدن في الثالث عشر من نوفمبر الحالي يأتي كما جاء على لسان
الأستاذ حامد الأملس "تقديرًا لإسهاماته الأدبية والثقافية المتميزة ولمسيرته الحافلة بالعطاء والإبداع "
تكريم يستحقه شاعرنا الكبير،حتى وإن تأخر كثيرًا، لكن أن يأتي خيرٌ من ألا يأتي أبدًا..! لشاعر بعيد عن الاهتمام الإعلامي مثل كثيرين غيره من شعراء الحداثة بل والشعراء والمبدعين بشكل عام بالرغم من تجربته الغنية والطويلة والثرية إذ يكتب شراء الشعر منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي ، ونشرت أولى قصيدة له في مجلة (أنغام) لصاحبها ورئيس تحريرها الشاعر الغنائي علي أمان سنة 1965م ، ونشر قصيدة لصبي في الحادية عشرة من عمره
دليل على موهبة مبكرة، لكن شراء لم يشتهر إلا في سبعينيات القرن العشرين الماضي ويأخذ الإعتراف به كشاعر من شعراء الحداثة والتجديد الشعري ضمن أولئك الشعراء الذين احتفى بهم الشاعر الكبير والناقد عبدالعزيز المقالح " رحمه الله " بحضورهم القوي إلى الساحة الشعرية في"البدايات الجنوبية" في إحتفائه اللافت بكوكبة الشعراء الشباب الجنوبيين محمد حسين هيثم، وشوقي شفيق، ومحمد ناصر شراء ، وعبدالرحمن إبراهيم، وسعيد البطاطي، ومحمد حسين الجحوشي الذين كان ظهورهم في عقد السبعينيات من القرن العشرين الماضي من عدن ، لكنهم سرعان ماملأوا المشهد الشعري ليس في الجنوب وحده بل على مستوى اليمن كلها، ووصل صوتهم إلى أنحاء كثيرة في الوطن العربي ورسخوا إلى جانب آخرين مكانة الشعر الحديث في اليمن أمثال عبدالرحمن فخري والأخوين زكي وفريد بركات وعبدالرحمن إبراهيم، ومبارك سالمين، وعبدالرحمن السقاف، وأجيال جديدة أخرى واصلوا ويواصلون مابدأه جيل الآباء الرواد الذين كانوا شبابًا في تلك الأيام.
بين نشره لأول قصيدة وتكريمه مرت ستون سنة تقريبًا من القلق والمعاناة و التعب والإشتغال على قصيدة الحداثة.."قلق" مشروع "في واقع مضطرب" بتعبير الناقد مختار مقطري. والحقيقة ان هذا القلق بالذات، كما يعبر عنه المتنبي العظيم " على قلق كأن الريح تحتي "
جعل الشاعر الكبير محمود درويش يقول" بنصف بيت تجاوزنا المتنبي جميعًا نحن شعراءالحداثة".
بالإضافة إلى عوامل أخرى منها الموهبة، والملكة، والاطلاع والثقافة تساهم كلها في استمرار الشاعر
وخلق القصيدة، حتى وإن كانت "القصيدة هي التي تكتبنا ولانكتبها" كمايؤمن كثير من الشعراء والنقاد، أو ان "الشاعر لايستدعي القصيدة بل القصيدة تستدعيه" كمايرى الشاعر والناقد الفرنسي بول فاليري .
ليس هذا أول تكريم يناله من الدولة محمد ناصر شراء
فقد كُرم عدة مرات، أهمها تكريمه من وزارة الثقافة اليمنية، بمناسبة (مهرجان صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004م) و من مكتب الثقافة في محافظة عدن 2006م،ومن "منتدى الباهيصمي الثقافي في المنصورة 2007م. وكل هذه التكريمات تأكيد على المكانة التي اكتسبها الشعر الحديث في المجتمع وعلى موقع الشاعر شراء في مسيرة هذا الشعر. والحقيقة ان تكريم شاعرنا الكبير محمد ناصر شراء وقبل ذلك الشاعرين الكبيرين أديب قاسم وعبدالله البقعي يعيد الألق إلى عدن ومشهدها الثقافى والإبداعى، ذلك المشهد الذي يستدعي في ديوان تشريفاته أسماء مهمة في تاريخ الثقافة والأدب والشعر أمثال: محمد سعيد جرادة ومحمد عبده غانم ولطفي جعفر أمان، وعبدالله فاضل فارع، واحمد علي الهمداني، والقرشي عبدالرحيم، ومبارك الخليفة، وجنيد محمد الجنيد، وكريم الحنكي، ونجيب محمد مقبل،وهدى العطاس وصوفيا الهدار ، وجمال الرموش، وعمرو الارياني
وغيرهم كثير، مماجعل من عدن مركز الضوء وبؤرة نشاط حياةأدبية وثقافية ثرية شهدت تشكُّل منتديات شعرية وأدبية، منذ وقت مبكر مثل نادي الأدب العربي1925ومخيم ابي الطيب، 1928 وحلقة شوقي1942م ونادي الشباب الثقافي1947
وكرمة ابي العلاء المعري 1949م ، ونادي الشباب الأدبي 1951م.وانتهاءًا بتأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في عدن 1971م، واتحاد أدباء الجنوب 2018م. وكما يقول صديقي الشاعر الكبير جنيد الجنيد أي شاعر لا يمر بعدن لاتستقيم قصيدته.
ساهمت البيئة التي ولد وعاش فيها محمد ناصر شراء في بذرته الشعرية وتكوينه الشعري فوالده شاعر يكتب شعر العامية، وشقيقه الأكبر هيثم شاعر غنائي غنى له العديد من الفنانين.ورغم دراسته الجيولجيا في جامعة عين شمس وعمله سنوات في مجال تخصصه، لكن جينات الشعر التي تجري في دمه ،كانت أقوى وحسمت خياراته وانحيازه إلى الشعر والثقافة .
خلال مسيرته الطويلة أصدر شراء عددًا من الدواوين :طقوس يمانية 1983 عن دار الهمداني في عدن، سيدة البراكين والبحار، عن مكتبة عبادي في صنعاء 1986،ورمضاء الربع العالي و2000. لكن المخطوط من شعره أكثر من ذلك بكثير . والأسباب في ذلك معروفة، مشكلة لايعاني منها شراء وحده بل معظم المبدعين حيث الحاجة ماسة إلى دور نشر ، و إلى حضور وزارة ثقافة ومؤسسات ترعى الأدب والأدباء .
وإذا استثنينا التجربتين القصيرتين والمهمتين لكل من الشهيد احمد سالم الحنكي في دار الهمداني - عدن.ثمانينيات القرن العشرين، وتجربة الشاعر الراحل محمد حسين هيثم في صنعاء عندما كان الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ( 2001- 2005 ) في تبني مشروع الإصدار ، نكاد نفتقر إلى
حضور الدولة واتحاد الأدباء
في صناعة الكتاب ورعاية الأدباء إلا في مناسبات نادرة لكنها لم ترتق لأن تصبح سياسة وجزءً من مشروع ثقافي نهضوي .
كما ان محمد ناصر شراء ناقد معروف ، وشغل وظائف قيادية مهمة في حقل الثقافة والأدب، ويشغل حاليًا رئيس فرع اتحاد الأدباء والكتاب في عدن.
محمد ناصر شراء شاعر كبير يمتلك الملكة، يقرأ كثيرًا ويصغي للعالم ويعبر عن أحاسيسه ويشكل عوالمه الخاصة ويبرع في
قصيدته بصورها المكثفة المدهشة وموسيقاها الهادئةيغوص في عمق الأشياء ويستند إلى
حدسه ووعيه في رؤيتها حتى وإن كانت سلطة الشعر تستولي عليه. وتخلو قصيدته من الغموض والتعقيد اللفظي لكنها أيضًا لاتخلو من الرمز والإحالة والإنزياح وكل مايثري قصيدته.
بيني ومحمد ناصر شراء علاقة صداقة تمتدلعقود
بدأناها في بدايةسبعينيات القرن العشرين الماضي عندماشاركنا في تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في عدن، واستمرت معنا طوال هذه السنين، وبيننا علاقة زمالة لعدة سنوات في صنعاء في منتصف ثمانينيات نفس القرن حتى تسعينياته عندما جمعتنا صحيفة "كفاح الشعب" مع ثلة من الأصدقاء المثقفين المبدعين الشاعر الكبير الراحل محمد حسين هيثم، والشاعر الكبير أديب قاسم، والقاص عادل ناصر محمد، والناقد وجدي الشينة، والصحافي أحمد محمد راجح، والصحافي أمين أحمد عبده وآخرين،من عشاق عدن الأوفياء نتبادل،بكل ألم وحزن عميقين الجرح النازف الذي أصابها في يناير المشؤوم، وموت حلمنا الذي خرجنا
منه هاربين ونعزف أو ننزف
جنوبًا نحلم ومازلنا باستعادته.وهناكتب سيدة البراكين والبحار،قصيدته وديوانه الثاني.وهنا ازددت معرفة بشراءبكل مزاياه إنسانًا بكل ماتحمل الإنسانية من معاني
الصدق والوفاء واللطف والدماثة.كما ان المحن والمصاعب التي واجهها في حياته على الصعيدين الشخصي والوطني أمدّته
بالصبر على الشدائد التي شكلت كلها في الأخير شخصيته كإنسان وشاعر وعمقت تجربته الشعرية، وربما صبغت بعض شعره
بالحزن والكبرياء والشموخ على الألم .
