صوت عدن / وكالات : 

أثارغرق قارب يحمل مهاجرين أفارقة قرب السواحل اليمنية خلال الساعات الماضية قضية الهجرة غير الشرعية عن طريق السواحل اليمنية وتأثيرها على اليمن وخاصة الجنوب، سواء من الناحية الأمنية أو تهديدها لدول جوار اليمن التي تعد وجهة هؤلاء المهاجرين في السعودية ودول الخليج.
ونظرا لخطورة الوضع واستمراره بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، حذر مسؤولون في الحكومة الشرعية ومختصون أمنيون من انعكاسات سلبية لتلك الهجرة على الأمن الوطني ودول الجوار، حيث تعد البلاد التي تعيش في صراع منذ 10 أعوام محطة عبور أساسية لهذه المجاميع بغرض الوصول إلى الدول المجاورة.
وأفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن 45.935 لاجئ وطالب لجوء و13.929 نازحا داخليا تلقوا خدمات صحية في أحد مراكز الرعاية الصحية الأولية الخمسة التي تدعمها المفوضية، والموجودة في كل من صنعاء، وعدن، ومخيم خرز للاجئين بلحج "بحسب موقع المنظمة".
وتحدثت المفوضية عن تقديم الدعم الصحي النفسي والاجتماعي لـ3.491 لاجئ وطالب لجوء و483 نازحا داخليا، وقالت إن 5.902 لاجئ وطالب لجوء ونازح حصلوا على الدعم والمشورة في مجال الصحة الإنجابية في العيادات التي تدعمها، وبحسب مسح أجرته منظمة الهجرة الدولية أظهرت النتائج أن 94 في المائة من المهاجرين هم من حملة الجنسية الإثيوبية، فيما كان حملة الجنسية الصومالية 6 في المائة فقط، بعد أن كانوا يشكلون أغلبية المهاجرين إلى اليمن منذ بداية الصراع في الصومال عقب انهيار الدولة عام 1990، وتبين أن أغلبهم لا يمتلكون جوازات سفر أو أشكالا أخرى من بطاقات الهوية.
ما مدى خطورة استمرار الهجرة غير الشرعية عبر السواحل اليمنية وإمكانية مكافحتها وتحجيم المخاطر التي تهدد البلاد ودول الجوار؟
أوضاع معيشية قاسية:
بداية يقول، الناشط الحقوقي الجنوبي باليمن الدكتور علي عبد الله البحر "المعلومات المتوفرة حول حادثة غرق قارب المهاجرين غير النظاميين التي وقعت صباح يوم الأحد، 3 أغسطس 2025 قبالة سواحل مديرية أحور بمحافظة أبين تشير إلى أن القارب كان يقل نحو 150 مهاجرا غير نظامي، معظمهم من الجنسيات الإثيوبية، ووفقا للمعلومات الأولية فإن عدد الذين لقوا حتفهم أكثر من 70 شخصا، وباقي الأعداد لا تزال في عداد المفقودين وتم إنقاذ ما بين 9 إلى 12 ناجيا، وقد شارك صيادين من أبناء محافظة أبين في عمليات الإنقاذ الأولية، أعقبها تدخل من الأجهزة الأمنية في المحافظة، بدعم من الكوادر الصحية والمنظمات الدولية".
وأضاف في حديثه لوكالة ـ"سبوتنيك" : "تشير المعلومات بأن جنسيات هؤلاء المهاجرين غالبيتهم من القرن الإفريقي وبشكل خاص من إثيوبيا، والصومال، وإريتريا، ونعتقد بأن سبب محاولاتهم للهجرة يعود إلى ظروف معيشية قاسية وصراعات داخلية في بلدانهم بحثا عن فرص حياة أفضل في الدول المجاورة لليمن".
وتابع البحر: "بسبب القرب الجغرافي، أصبحت السواحل اليمنية معبر رئيسيا لراغبي الهجرة رغم خطورته الشديدة، وهو ما استغلته شبكات تهريب منظمة مستغلة ضعف الإمكانيات لدى الوحدات المكلفة بحماية السواحل اليمنية".
وأكد الناشط الحقوقي، "أن المجلس الانتقالي الجنوبي قد حذر مرارا من تنامي ظاهرة تهريب المهاجرين عبر السواحل اليمنية الجنوبية وأنها تمثل تهديدا إنسانيا وأمنيا، خاصة مع تورط جماعات مسلحة في استغلال تلك الطرق لأغراض مشبوهة، وقد اتخذت السلطات الأمنية الجنوبية التابعة للمجلس الإنتقالي إجراءات عديدة لمكافحة هذه الظاهرة، وتم بالفعل إحباط عدد من محاولات تهريب المهاجرين، بالتعاون مع الجهات المعنية والمنظمات الدولية".
ولفت البحر إلى أن " استمرار الأزمات الأمنية والاقتصادية في دول القرن الإفريقي، وغياب الرقابة الدولية الكافية، لا يزالان يشكلان تحديا كبيرا ونظرا لخطورة تنامي ظاهرة تهريب المهاجرين غير النظاميين، نؤكد مجددا أهمية التدخل الإقليمي والدولي الجاد لمعالجة هذه الظاهرة من جذورها، من خلال مكافحة شبكات التهريب، وتجفيف منابعها، ودعم قدرات السلطات والأجهزة المحلية الجنوبية، إلى جانب معالجة الأسباب الدافعة للهجرة في بلدان القرن الأفريقي".
محطة عبور:
من جانبه يقول، القيادي في الحراك الجنوبي اليمني، رائد الجحافي: "بالنسبة لوجهة المهاجرين غير الشرعيين سواء من غرقوا مؤخرا أو من جاء قبلهم لم تكن اليمن، بل غالبا ما يستخدمونها مجرد محطة عبور للوصول إلى الأراضي السعودية، حيث أن البعض من هؤلاء المهاجرين الذين لقوا حتفهم مؤخرا ينتمون إلى الجنسية الإثيوبية، وليست هذه المرة الوحيدة التي يتواجد مهاجرين بهذا العدد الكبير والذين تعرض غالبيتهم للموت جراء انقلاب القارب الذي كان يقوم بتهريبهم إلى السواحل اليمنية، فلا يمضي عام إلا ويشهد أحداثا مشابهة، إذ تعرضت عشرات القوارب المحملة بمئات المهاجرين لحوادث غرق مشابهة خلال السنوات الماضية خصوصا في العقد الأخير".
وأضاف في حديثه لوكالة "سبوتنيك" : "أسباب تكرار حوادث غرق القوارب التي تقوم بعملية التهريب تعود في الغالب إلى انتهاء صلاحية تلك القوارب للإبحار باعتبارها متهالكة، بالإضافة إلى أن القائمين عليها (المهربين) لا يلتزمون بالوزن المخصص لهذه القوارب فيقومون بحشر أعداد كبيرة من المهاجرين وزنهم يفوق قوة وقدرة هذه القوارب، لأجل جني أكبر مكسب مادي من المهاجرين الذين يجري تهريبهم وإدخالهم إلى السواحل اليمنية بطرق غير رسمية ومغامرات محفوفة بالمخاطر".
عصابات التهريب:
وتابع الجحافي، "أن القائمين على تلك القوارب (عصابات التهريب) اضطروا في أوقات سابقة إلى انقاص وزن حمولة قواربهم بإلقاء عشرات المهاجرين عرض البحر تحت تهديدهم بالقتل بل وقتلوا من رفض الامتثال لأوامرهم بالقفز من على القارب في مناطق بعيدة جدا من السواحل، وكل مرة يحاول الأشخاص الذين تم رميهم في وسط البحر السباحة لكن غالبيتهم تنقطع بهم السبل وسط البحر بسبب المسافات الطويلة التي تفصل بينهم والسواحل اليمنية فيموتون، وأحيانا يتمكن البعض من بلوغ السواحل وقد نال منهم الإعياء والجوع والعطش".
وأشار القيادي الجنوبي إلى أنه "بالنظر إلى الزحف اليومي لطوابير المهاجرين الذين يضطرون لقطع مسافات طويلة تبلغ مئات الكيلومترات مشيا على الأقدام من لحظة إنطلاقتهم البرية من السواحل التي يصلون إليها في اليمن ثم البدء بالزحف مشيا على الأقدام باتجاه منطقة رداع بمحافظة البيضاء الواقعة شمال اليمن، ولا يسمح لهم باستخدام سيارات الأجرة أو غيرها لمواصلة رحلتهم إلى تلك المنطقة التي يقصدونها يوميا، كونها تشكل التجمع الرئيسي لهم ومنها تتم عملية التهريب صوب الأراضي السعودية، في حين يمكث الكثير هناك في منطقة رداع الغنية بزراعة أشجار "القات" ويحصلون على فرص عمل في زراعة وقطف أشجار القات إذ يفضلهم ملاك الأراضي على العمال اليمنيين بسبب أجورهم الضئيلة".
الخطر الأكبر:
وقال الجحافي: "من خلال التعمق في دراسة حالة الهجرة المتدفقة ثمة أمور تدحض التكهنات التي تتحدث أن هذه الهجرة تأتي بهدف الوصول إلى الأراضي السعودية، وأرى من وجهة نظري بناء على تحليلي المنطقي لهذه الظاهرة أن موضوع التهريب صوب السعودية ليس سوى غطاء لمسألة أكبر، إذ يحتمل أن هناك جهات تقوم باستغلال أولئك المهاجرين بتدريبهم عسكريا قبل إعادتهم إلى سواحل القرن الإفريقي ليظهروا ضمن المجاميع المقاتلة التابعة لبعض الجماعات المتطرفة التي تنتشر في سواحل القرن الإفريقي بالذات ذوي الجنسيات الصومالية والأفارقة المسلمين دون الأورومو الذين تأتي هجرتهم إلى اليمن للبحث عن طرق للوصول إلى السعودية ودول الخليج الأخرى في بعض الأحيان".
واستطرد: "يؤكد الفرضية السابقة ما تناولته العديد من مراكز البحوث والدراسات العربية والعالمية بالإضافة إلى التقارير الاستخباراتية التي تحدثت في الآونة الأخيرة عن وجود علاقة بين تلك الجماعات المتطرفة المتواجدة في سواحل القرن الأفريقي وجماعة الحوثيين، وأنه رغم تقاطع الأهداف بين الطرفين عقائديا، إلا أن مصالح كبيرة تجمعهما بتبادل الأسلحة والخبرات وغيرها ووصل الأمر إلى ظهور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحات قبل عدة أشهر يؤكد وجود العلاقة بين هذه الأطراف".
مسار الرحلة:
وأوضح القيادي الجنوبي "أنه يتم اختيار اليمن محطة عبور بالنسبة للمهاجرين الذين يقصدون الأراضي السعودية من منطلق المسافة القريبة جغرافيا بين القرن الأفريقي واليمن، حيث يمكنهم الوصول عبر البحر الأحمر أو خليج عدن خلال رحلات قصيرة مقارنة بالطرق الأخرى التي يسلكها المهاجرين الأفارقة للهروب إلى دول أوروبا عبر ليبيا والجزائر والمغرب، حيث تكون تلك الرحلات أكثر عرضة للغرق بالنسبة لمن يسلكون البحر وأكثر عرضة للصد بالنسبة لمن يسلكون الطرق البرية والجبال ويفشل غالبيتهم في الوصول إلى الدول الأوروبية وبذلك يخسرون مبالغ مالية كبيرة مقابل محاولات تهريبهم تلك لأن عمليات التهريب إلى أوروبا مكلفة جدا أضعاف التكلفة إلى اليمن، حسب ما أشارت إليه تقارير صحافية وحقوقية سابقا".
وأردف: "هكذا يختارون اليمن كممر لهجرتهم أسهل وأقرب وأقل تكلفة، فهو وباختصار وبشكل أساسي يعتبر اضطرار قسري بسبب قلة الخيارات، رغم معرفتهم المسبقة بالمخاطر الكبيرة في البحر والبر، إلا أنهم يعتبرون هذا الأمر بابا ربما نهائي للخلاص من ويلات الجوع، والحرب، أو القمع في بلادهم".
واختتم الجحافي: "اجمالا تستطيع القول والنفي المطلق للأخبار التي تتحدث أحيانا إلى تجنيد هؤلاء المهاجرين واستغلالهم لإدخالهم في الحرب إلى جانب الحوثيين في معاركهم داخل اليمن مع خصومهم، ويأتي النفي من خلال الجثث التي تخلفها المعارك وكذلك أسرى الحرب خلال العشر سنوات الماضية التي لم يكن بين تلك الجثث ولا الأسرى أي شخص أفريقي".
بدوره يقول بدر هندا السياسي الجنوبي إن "عمليات الهجرة غير الشرعية للقادمين من القرن الأفريقي تمثل عبء كبير علينا، في ظل الظروف الراهنة، لكن رؤيتي الشخصية كمدافع عن حقوق الإنسان أرى أن هؤلاء المهاجرين ألقوا بأنفسهم في التهلكة نتيجة الظروف القاسية التي يعيشونها في بلادهم، أصبحوا لا يبالون بالموت وكل هدفهم الوصول إلى الموانئ اليمنية ثم مواصلة رحلتهم المحفوفة بالمخاطر أيضا".
وأضاف في حديثه لوكالة "سبوتنيك" : "من ينجو من الموت في القوارب المتهالكة ينزل إلى السواحل اليمنية الشرقية والجنوبية بشكل خاص ويحاولون الوصول إلى مفوضية اللاجئين المتواجدة في جنوب اليمن لكي يتلقوا المعونات ثم يواصلوا السير نحو وجهتهم الرئيسية برا إلى دول الخليج والسعودية، خاصة التي لها حدود مع اليمن".
وأكد هندا "أن الكثير من المدافعين عن حقوق الإنسان في الجنوب يحاولون أن يكونوا رحماء مع هؤلاء وأن لا يتم الإساءة إليهم نظرا للظروف القاسية التي جاؤوا منها والتي يعيشونها أيضا، هؤلاء مظلومين ونحاول أن نوفر لهم أبسط مقومات الحياة، خاصة ما يتعلق بما تقدمه المفوضية الأممية للاجئين، علاوة على ذلك هناك تعاطف كبير من المواطنين ويقدمون لهم العون قدر استطاعتهم".
وارتفعت حصيلة ضحايا غرق قارب يقل مهاجرين أفارقة قبالة السواحل الجنوبية لليمن في بحر العرب، إلى 70 حالة وفاة، فيما لا يزال أكثر من 70 آخرين في عداد المفقودين.
وقال مصدر في السلطة المحلية بمحافظة أبين في تصريحات لوكالة لوكالة "سبوتنيك" الأحد، إن "قوات الأمن عثرت على 43 جثة مهاجر أثيوبي قبالة السواحل الشرقية للمحافظة على البحر العربي، بعد ساعات من انتشالها 27 جثة، ليرتفع الإجمالي إلى 70 قتيلا".
وأضاف أن "عدد الناجين من غرق القارب ارتفع إلى 12 شخصا أحدهم يمني، فيما تواصل القوات الأمنية تمشيط الشريط الساحلي الممتد من مديرية زنجبار مركز محافظة أبين إلى مديرية أحور (شرقي أبين)، بحثا عن 72 مفقودا جراء انقلاب القارب، الذي كان يقل 154 مهاجرا إثيوبيا".